الجمعة، 26 يونيو 2015

فانوس الحرس ينير ظلام الواقع

"فانوس الحرس ينير ظلام الواقع"



كتبه: د.صالح عبدالرحيم السعيد
http://www.alsaeedsaleh.com


أرى ظلاما يخيم على أرجاء المكان،ظلاما يكتم الأنفاس،ويقتل الأحلام،ويكسر قوس سهام المجتهد، ظلاما يستمد عتمته من ممارسات الظلم المجتمعي، ويحجب أي بصيص أمل ،ظلاما تفرضه المحسوبية و الواسطة، واختراق القانون، وتولية غير المؤهل، حتى أصبحنا في دوامة ممارسات حكومية غير محسوبة وردود أفعال غير متوقعة والسير بغير هدف واضح،وصرنا لا نجرؤ حتى على قياس مدى تقدمنا نحو النتائج، فالخطط متضاربة والمصالح الضيقة مقدمة على المصلحة العامة.

في هذا الظلام استمع لصوت تمتمات تنادي بالتغيير، فهنا يتمتمون بالخصخصة وهناك يتمتمون بتولية الشباب واعطاؤهم فرصة ،وحذوهم يتمتمون بحتمية تغيير أنظمة الإدارة، فمازالت هذه الأصوات تتزايد والظلام يزداد قساوة وحلكة.
في وسط هذه الحيرة والظلام أرى فانوسا مضيئا يشع النور من ذاته وينير ما حوله بشكل متوازن وبحركة ثابتة، يدار بجدية حتى أنه حاصل بإدارته على علامة الجودة أيزو ، يضع نصب عينيه رسالة يؤديها و رؤية يعمل ليصل إليها، يعتمد خطط التدريب بعناية ويصدر القرارات بموجب دراسات تحاكي الاحتياج الحقيقي للواقع.
نعم فانوسنا الذي ينير عتمة التردي الإداري هو الحرس الوطني الكويتي.
في مؤسسة الحرس الوطني الكويتي لامجال للواسطة في قبول الأفراد و الضباط فالاختبارات دقيقة ومن يجتاز الاختبارات يصفى بنظام القرعة، في الحرس يا سادة لا مجال للبطالة المقنعة فالدوام بنظام البصمة، والأجر على قدر العمل ، في الحرس الوطني لا يوجد أهمية لمعيار الزمن او ما يسمى بالخدمة فمعيار الخبرة و المبادرة و الإنتاج هو السائد.
وهذا ما يفسر حصول مؤسسة الحرس الوطني الكويتي على جائزة الدولة للشفافية على مدار عامين متتالين وبجدارة.
شاهدت كما شاهد غيري حفل استقبال مؤسسة الحرس الوطني الكويتي لصاحب السمو أمير البلاد المفدى وكيف هي الدقة و الجودة و الحداثة في مراسم الاستقبال، وما يلفت الإنتباه مجموعة القادة الشباب ذوي الخبرة والإنتاج الذي تم توليتهم مؤخرا مما يؤكد مبدأ الإنتاج و المبادرة في العمل في تولية المناصب القيادية.
ومما يحسب للمؤسسة الحرس الوطني الكويتي كونها مؤسسة ذات رسالة كبيرة أنها تطلق مبادرات للتعاون مع كافة مؤسسات الدولة بالإضافة لمبادرة (تنمية و وفاء لكويت العطاء) كمبادرة مجتمعية لخدمة أفراد المجتمع في مجال التدريب والتنمية البشرية المجتمعية، وتكون بذلك مؤسسة الحرس الوطني تعدت بخدماتها للدولة خارج اسوار المعسكرات والعمل العسكري لتصل لخدمة المجتمع المدني .
لذلك أتمنى من باقي مؤسسات و وزارات الدولة أن تحذو حذو الحرس الوطني في طريقة إدارتهم واعتمادهم لمعايير تولية المناصب فلا يكون لمبدأ الوقت و الخدمة فقط إنما يكون استلام المناصب بمعيار العمل والانتاج ،فالسؤال المهم قبل التولية ماذا قدمت لمؤسستك وما مقدار مساهمتك في نهضتها حتى تتولى منصب فيها ؟ ولا يكن الهم كم سنه امضيت في الوظيفة لتترقى و تتولى منصبا قياديا .
حقا مؤسسة الحرس الوطني الكويتي إنموذجا يحتذى به في فن التغيير للأفضل وكسر حاجز المعايير القديمة، شكرا لكم .

الأحد، 6 يوليو 2014

🔥الاحتراق النفسي يا معشر المعلمين🔥



📝د. صالح عبدالرحيم السعيد - ٥ يوليو ٢٠١٤م

كثيرة هي الهموم التي يعاني منها الوسط التربوي وخاصة الهموم المتعلقة بمعشر المعلمين والمعلمات، فلا نكاد نتجاوز قضية إلا وأشرفت علينا أختها، وما يزيد هذه الأمور تعقيدا، ما يسمى بحلول البنج او التخدير، فقد أصبحنا نجيد فنون التعامل مع الظواهر دون النظر في مسبباتها، مما يؤدي إلى تضخم هذه المسببات وبروزها على السطح مرة أخرى وبشكل جديد أكثر تعقيدا. 
يا لها من أيام جميلة تلك الأيام التي بدأت بها مهنة التدريس، فمنذ اليوم الأول الذي حطت به قدمي داخل أسوار المدرسة، وأنا قد قطعت على نفسي عهدا بأن لا أسمح لأحد أن يأثر على نظرتي للمهنة  بتصوراته و ممارساته هو، ولم يكن هذا العهد بالشيء السهل لكثرة المتذمرين والمتهاونين بواجباتهم، فكثيرا هي النصائح السلبية، فهذا زميل دائماً ما كان يسمعني قانونه وكان يسميه قانون وزارة التربية ونصه " احْضر و حَضِّر و قول حاضِر ولا تنفذ!"  أما الآخر فقد كان كثير التذمر من الإدارة ومن أولياء الأمور وقد كان فض التعامل مع المتعلمين فلم يكن يتجاوز الأسبوع إلا وله مشكلة مع شخص وكان كثيراً ما يردد "هذولا مو كفو!"، أما ما كان  يدهشني في وقتها ذلك الزميل الذي لو انقلبت الأرض من حوله لا يبالي، في الاختبارات الغش أمامه ومن خلفه ولا يحرك ساكناً، وفي الفرص المتعلمين يتصارعون وهو مستند على الحائط، وفي كشف الدرجات تجد شعبته غالبها الرسوب وكأن الأمر لا يعنيه!، كان همي في تلك الفترة أن لا أتأثر بهذا المحيط وأن يكون لي طريقتي الخاصة في التعامل مع الواقع تكون أكثر إيجابية، ومع مرور السنوات والتدرج الوظيفي والأكاديمي كنت أحمل تلك التجارب في مخيلتي وأحاول إيجاد أجوبة لبعض التساؤلات في موضوع الممارسات السلبية لبعض الزملاء .

وجدت ضالتي قبل عدة أشهر وأنا أقرأ كتاباً  يتحدث عن التنمية المهنية للمعلمين وكان أحد فصول هذا الكتاب يتحدث عن الاحتراق النفسي لدى معلمي التربية الخاصة ، بصراحة أعجبني المضمون وأخذت أبحث أكثر وبتعمق حول موضوع الاحتراق النفسي بمجال التربية بشكل عام، وقعت على  الكثير من الدراسات التي تحدثت حول هذا الموضوع وبشكل جيد ، ولا أخفيكم سراً فقد كنت أثناء القراءة استرجع تلك التجارب والشخصيات التي قابلتها في البدايات، فصاحبنا مؤلف قانون وزارة التربية اتضح أنه يعاني من مظهر من مظاهر الاحتراق النفسي يسمى بضعف الإنجاز الشخصي، أما صاحب مقولة "هذولا مو كفو"  فإنه يعاني من الإجهاد الانفعالي، وزميلي الثالث فكان يعاني أيضا مما سبب له نوع من التبلد وهو أحد مظاهر الاحتراق النفسي . هذا بالإضافة إلى العديد من المظاهر الأخرى تتأرجح بين الشديدة و العادية. ولكن من الأهمية أن نتعرف على بعض مسببات الاحتراق النفسي لدى المعلمين وهي بالحقيقة كثيرة سأورد هنا ما أعتقد أنها تتماشى مع واقعنا :

١- الخصائص الشخصية للمعلم كالصبر والتقبل و عدم الإحساس بالانتماء . 
٢-عدم إدراك المعلم لنجاحاته بالعمل و فقدان الثقة بالذات . 
٣- فقدان الشعور بالتحكم في مخرجات العمل(إشراك المعلم) .
٤-تعدد المهام المطلوبة و زيادة الأعباء الكتابية. 
٥-عدم توفر التنمية المهنية النوعية الجادة للرفع من كفاءة المعلمين .
٦-غياب جانب الإرشاد النفسي للمقبلين على مهنة التعليم . 
٧-انخفاض الدافعية لدى المتعلمين . 
٨- ضعف المهارات القيادية و الإدارية لدى بعض الإدارات المدرسية والإدارات العليا . 

ويتجه العديد من الباحثين في هذا المجال إلى أن أسباب الاحتراق النفسي ترتبط بصورة مباشرة مع بيئة العمل وما تتيحه من فرص تساعد على تضخم مستويات الضغوط والإحباط والقهر لفترات طويلة من الزمن . 
ولعل من المفيد في هذا المقال أن نتطرق لجملة من الممارسات التي تدل على إصابة المعلم بدرجة من درجات الاحتراق النفسي منها:

- تدني مستوى الآداء والتغيّب والانسحاب. 
- الميل للعمل الكتابي أكثر من الميل للمتعلمين وأولياء الأمور والزملاء .
- لا يهتم بمظهره العام ويحسب لأيام العطل بشكل غير اعتيادي . 
- جملة من الأعراض الفيسيولوجية كأمراض المعدة ودقات القلب والضغط والسكري والنسيان والملل . 
- القلق المبالغ فيه نحو المتعلمين .
- سرعة الغضب وقلة المرونة في التعامل . 
- الإحساس بالإحباط والعجز والنظرة السلبية .
- الإكثار من حيل الدفاع النفسي. 

وبعد هذا العرض السريع للمظاهر والأسباب يبرز لنا تساؤل حول الآثار المترتبة على انتشار الاحتراق النفسي لدى الهيئات التعليمية، فمن هذه الأثار :

- انخفاض الولاء والروح المعنوية وزيادة الغياب و التأخير . 
-ضعف الاتصال وزيادة الصراعات والمنافسات غير الإيجابية في بيئة العمل . 
- جملة من الآثار المتعلقة في آداء المعلم داخل الفصل وانعكاسها على تحقيق الأهداف التربوية وتحصيل المتعلمين . 
-ضعف القرارات وتخبطها والانفصال بين المخطط و المنفذ في الميدان التربوي . 

كما أتوجه بهذه الخلاصة إلى أصحاب الأمر في وزارة التربية ومفادها، بأن مستويات الاحتراق النفسي في جموع المعلمين قد بلغت أشُدّها ولا يخفى علينا وعليكم أن المعلم ركن من أركان العملية التعليمية فبإصلاحه يصلح التعليم وبإهماله لا يمكن أن تنهض الأمة فالله الله بالمعلم، والأمر ليس كوادر ورواتب فقط، وإنما تنمية شاملة للجوانب الشخصية والنفسية والعلمية، فبإعزاز المعلم يعتز التعليم وتزدهر التربية، وبإهماله خرابها ودمارها، فعلينا أن نبدأ فوراً  بدراسة نماذج الاحتراق النفسي العلمية و تطبيق المقاييس المعتمدة لمعرفة مدى ونوعية الاحتراق النفسي لدى الهيئات التعليمية في المدارس، والبدء بحملات توعية وإرشاد لتفادي مسببات هذه الظاهرة. 


السبت، 7 يونيو 2014

تعنصر حتى لا تقول أُكلت يوم أكل الثور الأبيض


د. صالح عبدالرحيم السعيد- ٧ يونيو٢٠١٤

في عالم السياسة و أخبار الساسة يرددون مقولة " أُكلنا يوم أكل الثور الأبيض"، فهذه المقولة عنوان لقصة بطلها أسد مكّار أكل أربعة ثيران أولها الأبيض وبمساعدة الثور الأسود الذي استقر هو أيضاً في معدة الأسد في نهاية المطاف وهو يردد "أُكلت يوم أكل الثور الأبيض"، كناية عن أن سبب أكله هوْ، هوَ رضاه ومساعدته للأسد في أكل إخوانه .
الدرس المستفاد من هذه القصة الفلكلورية أن الفرد يجب أن ينتبه من العدو المتودد ولا يساعده في إهدار حقوق جماعته وأن الافتراق مدعاة لإعطاء فرصة أكبر للعدو للانقضاض على الجماعة، ولكن ما علاقة هذا القصة في التعنصر والعنصرية؟
نجد كثيراً من إخواننا وبني جلدتنا يقومون ببعض التصرفات الغريبة ، هذه التصرفات لم نعتد عليها في الماضي، ولم نسمع ممن سبقنا أنهم كانوا يلاحظون هذه الظاهرة المقيتة في المجتمع أنذاك.
أصبحنا نسمع كثيراً هذه الكلمات " انتبه فلن ينفع إلا ابن عمك"  فنجد كثير من القوانين تنتهك والحقوق تهدر بسبب هذه الكلمات صارت ممارسات الموظفين والمسؤلين تأخذ طريقين إما الطريق الذهبي السريع السهل وهو طريق أبناء العمومة والطائفة أو الطريق المتهالك الوعر البطيء وهو طريق العامة، مما أدى إلى وجود تجمعات عائلية وقبلية وطائفية في أروقة وإدارات الدولة، فهذه الإدارة للعائلة الفلانية وتلك المدرسة لايرسب بها من ينتسب للقبيلة الفلانية، و وزارة(س) لا يترقى بها إلا من كان من طائفة الوكيل. والعذر في هذه الممارسات النازية المجحفة هو مبدأ "الثور الأبيض".
ولكن من هو الخاسر في هذه المعادلة؟
طبعا الخاسرون كُثر .! أولهم الدولة مروراً على من لا يجد أو لا يؤمن بمبدأ "لن ينفعك إلا ابن عمك"  وانتهاءً بالمجتمع الذي لن يجد مجالا إلا في الركض وراء التعنصر فينتهي المطاف بتقسيم المقسم وفقد الروابط الاجتماعية و تهالك قوة النظام الاقتصادي و الاجتماعي والتعليمي والرياضي والصحي..... إلخ. باختصار دولة غير محترمة عاجزة وتحتضر .!
هناك بعض الإشارات التي نشاهدها يوميا تنبئنا بتفشي التعنصر في المجتمع والأخطر أنه يتفشى بين الأطفال أيضاً .! فما عليك إلا أن تتجول بين صور الإنستغرام و التغريدات و شعارات الواتس أب حتي تعرف إلى أي مدى وصلنا من التخندق في جهة العائلة أو القبيلة أو الطائفة.
أعزائي إن هذا الأمر لا يقيم دولة ولا يعطي مكاسب على المدى الطويل حتى ولو جاءتك بعض المكاسب العاجلة بسبب أبناء عمومتك الموجودين هنا وهناك، فيجب علينا أن يكون لدينا يقين بمبدأ الدولة وتقديم الكفاءة و التحلق حول القانون العام وفرد مسطرة واحدة على الجميع، فمستقبل أبنائنا من صميم مسؤولياتنا وهذا المستقبل لن يُصنع بهذه المبادىء الرثّة فلنبدأ  بترسيخ مبدأ "لن ينفعك إلا مجتمعك"، والعاقبة للمتقين.