الأحد، 6 يوليو 2014

🔥الاحتراق النفسي يا معشر المعلمين🔥



📝د. صالح عبدالرحيم السعيد - ٥ يوليو ٢٠١٤م

كثيرة هي الهموم التي يعاني منها الوسط التربوي وخاصة الهموم المتعلقة بمعشر المعلمين والمعلمات، فلا نكاد نتجاوز قضية إلا وأشرفت علينا أختها، وما يزيد هذه الأمور تعقيدا، ما يسمى بحلول البنج او التخدير، فقد أصبحنا نجيد فنون التعامل مع الظواهر دون النظر في مسبباتها، مما يؤدي إلى تضخم هذه المسببات وبروزها على السطح مرة أخرى وبشكل جديد أكثر تعقيدا. 
يا لها من أيام جميلة تلك الأيام التي بدأت بها مهنة التدريس، فمنذ اليوم الأول الذي حطت به قدمي داخل أسوار المدرسة، وأنا قد قطعت على نفسي عهدا بأن لا أسمح لأحد أن يأثر على نظرتي للمهنة  بتصوراته و ممارساته هو، ولم يكن هذا العهد بالشيء السهل لكثرة المتذمرين والمتهاونين بواجباتهم، فكثيرا هي النصائح السلبية، فهذا زميل دائماً ما كان يسمعني قانونه وكان يسميه قانون وزارة التربية ونصه " احْضر و حَضِّر و قول حاضِر ولا تنفذ!"  أما الآخر فقد كان كثير التذمر من الإدارة ومن أولياء الأمور وقد كان فض التعامل مع المتعلمين فلم يكن يتجاوز الأسبوع إلا وله مشكلة مع شخص وكان كثيراً ما يردد "هذولا مو كفو!"، أما ما كان  يدهشني في وقتها ذلك الزميل الذي لو انقلبت الأرض من حوله لا يبالي، في الاختبارات الغش أمامه ومن خلفه ولا يحرك ساكناً، وفي الفرص المتعلمين يتصارعون وهو مستند على الحائط، وفي كشف الدرجات تجد شعبته غالبها الرسوب وكأن الأمر لا يعنيه!، كان همي في تلك الفترة أن لا أتأثر بهذا المحيط وأن يكون لي طريقتي الخاصة في التعامل مع الواقع تكون أكثر إيجابية، ومع مرور السنوات والتدرج الوظيفي والأكاديمي كنت أحمل تلك التجارب في مخيلتي وأحاول إيجاد أجوبة لبعض التساؤلات في موضوع الممارسات السلبية لبعض الزملاء .

وجدت ضالتي قبل عدة أشهر وأنا أقرأ كتاباً  يتحدث عن التنمية المهنية للمعلمين وكان أحد فصول هذا الكتاب يتحدث عن الاحتراق النفسي لدى معلمي التربية الخاصة ، بصراحة أعجبني المضمون وأخذت أبحث أكثر وبتعمق حول موضوع الاحتراق النفسي بمجال التربية بشكل عام، وقعت على  الكثير من الدراسات التي تحدثت حول هذا الموضوع وبشكل جيد ، ولا أخفيكم سراً فقد كنت أثناء القراءة استرجع تلك التجارب والشخصيات التي قابلتها في البدايات، فصاحبنا مؤلف قانون وزارة التربية اتضح أنه يعاني من مظهر من مظاهر الاحتراق النفسي يسمى بضعف الإنجاز الشخصي، أما صاحب مقولة "هذولا مو كفو"  فإنه يعاني من الإجهاد الانفعالي، وزميلي الثالث فكان يعاني أيضا مما سبب له نوع من التبلد وهو أحد مظاهر الاحتراق النفسي . هذا بالإضافة إلى العديد من المظاهر الأخرى تتأرجح بين الشديدة و العادية. ولكن من الأهمية أن نتعرف على بعض مسببات الاحتراق النفسي لدى المعلمين وهي بالحقيقة كثيرة سأورد هنا ما أعتقد أنها تتماشى مع واقعنا :

١- الخصائص الشخصية للمعلم كالصبر والتقبل و عدم الإحساس بالانتماء . 
٢-عدم إدراك المعلم لنجاحاته بالعمل و فقدان الثقة بالذات . 
٣- فقدان الشعور بالتحكم في مخرجات العمل(إشراك المعلم) .
٤-تعدد المهام المطلوبة و زيادة الأعباء الكتابية. 
٥-عدم توفر التنمية المهنية النوعية الجادة للرفع من كفاءة المعلمين .
٦-غياب جانب الإرشاد النفسي للمقبلين على مهنة التعليم . 
٧-انخفاض الدافعية لدى المتعلمين . 
٨- ضعف المهارات القيادية و الإدارية لدى بعض الإدارات المدرسية والإدارات العليا . 

ويتجه العديد من الباحثين في هذا المجال إلى أن أسباب الاحتراق النفسي ترتبط بصورة مباشرة مع بيئة العمل وما تتيحه من فرص تساعد على تضخم مستويات الضغوط والإحباط والقهر لفترات طويلة من الزمن . 
ولعل من المفيد في هذا المقال أن نتطرق لجملة من الممارسات التي تدل على إصابة المعلم بدرجة من درجات الاحتراق النفسي منها:

- تدني مستوى الآداء والتغيّب والانسحاب. 
- الميل للعمل الكتابي أكثر من الميل للمتعلمين وأولياء الأمور والزملاء .
- لا يهتم بمظهره العام ويحسب لأيام العطل بشكل غير اعتيادي . 
- جملة من الأعراض الفيسيولوجية كأمراض المعدة ودقات القلب والضغط والسكري والنسيان والملل . 
- القلق المبالغ فيه نحو المتعلمين .
- سرعة الغضب وقلة المرونة في التعامل . 
- الإحساس بالإحباط والعجز والنظرة السلبية .
- الإكثار من حيل الدفاع النفسي. 

وبعد هذا العرض السريع للمظاهر والأسباب يبرز لنا تساؤل حول الآثار المترتبة على انتشار الاحتراق النفسي لدى الهيئات التعليمية، فمن هذه الأثار :

- انخفاض الولاء والروح المعنوية وزيادة الغياب و التأخير . 
-ضعف الاتصال وزيادة الصراعات والمنافسات غير الإيجابية في بيئة العمل . 
- جملة من الآثار المتعلقة في آداء المعلم داخل الفصل وانعكاسها على تحقيق الأهداف التربوية وتحصيل المتعلمين . 
-ضعف القرارات وتخبطها والانفصال بين المخطط و المنفذ في الميدان التربوي . 

كما أتوجه بهذه الخلاصة إلى أصحاب الأمر في وزارة التربية ومفادها، بأن مستويات الاحتراق النفسي في جموع المعلمين قد بلغت أشُدّها ولا يخفى علينا وعليكم أن المعلم ركن من أركان العملية التعليمية فبإصلاحه يصلح التعليم وبإهماله لا يمكن أن تنهض الأمة فالله الله بالمعلم، والأمر ليس كوادر ورواتب فقط، وإنما تنمية شاملة للجوانب الشخصية والنفسية والعلمية، فبإعزاز المعلم يعتز التعليم وتزدهر التربية، وبإهماله خرابها ودمارها، فعلينا أن نبدأ فوراً  بدراسة نماذج الاحتراق النفسي العلمية و تطبيق المقاييس المعتمدة لمعرفة مدى ونوعية الاحتراق النفسي لدى الهيئات التعليمية في المدارس، والبدء بحملات توعية وإرشاد لتفادي مسببات هذه الظاهرة. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق